لعقوق الوالدين أسباب كثيرة منها:
1 - الجهل فالجهل داء قاتل، والجاهل عدو لنفسه، فإذا جهل المرء عواقب العقوق العاجلة والآجلة، وجهل ثمرات البر العاجلة والآجلة - قاده ذلك إلى العقوق، وصرفه عن البر.
2 - سوء التربية: فالوالدان إذا لم يربيا أولادهما على التقوى، والبر والصلة، وتطلاب المعالي - فإن ذلك سيقودهم إلى التمرد والعقوق.
3 - التناقض: وذلك إذا كان الوالدان يعلمان الأولاد، وهما لا يعملان بما يعلمان، بل ربما يعملان نقيض ذلك، فهذا الأمر مدعاة للتمرد والعقوق.
4 - الصحبة السيئة للأولاد: فهي مما يفسد الأولاد، ومما يجرؤهم على العقوق.
كما أنها ترهق الوالدين، وتضعف أثرهم في تربية الأولاد.
5 - عقوق الوالدين لوالديهم: فهذا من جملة الأسباب الموجبة للعقوق؛ فإذا كان الوالدان عاقين لوالديهم عوقبا بعقوق أولادهما - في الغالب - وذلك من جهتين:
أولاهما: أن الأولاد يقتدون بآبائهم في العقوق.
وآخرهما: أن الجزاء من جنس العمل.
6 - قلة تقوى الله في حالة الطلاق: فبعض الوالدين إذا حصل بينهما طلاق لا يتقيان الله في ذلك، ولا يحصل الطلاق بينهما بإحسان.
بل تجد كل واحد منهما يغري الأولاد بالآخر، فإذا ذهبوا للأم قامت بذكر مثالب والدهم، وبدأت توصيهم بصرمه وهجره، وهكذا إذا ذهبوا إلى الوالد فعل كفعل الوالدة.
والنتيجة أن الأولاد سيعقون الوالدين جميعا، والوالدان هما السبب كما قال أبو ذؤيب الهذلي:
فلا تغضبن في سيرة أنت سرتها وأول راض سنة من يسيرها
7 - التفرقة بين الأولاد: فهذا العمل يورث لدى الأولاد الشحناء والبغضاء، فتسود بينهم روح الكراهية، ويقودهم ذلك إلى بغض الوالدين وقطيعتهما.
8 - إيثار الراحة والدعة: فبعض الناس إذا كان لديه والدان كبيران أو مريضان - رغب في التخلص منهما، إما بإيداعهما دور العجزة، أو بترك المنزل والسكنى خارجه، أو غير ذلك؛ إيثارا للراحة - كما يزعم - وما علم أن راحته إنما هي بلزوم والديه، وبرهما.
9 - ضيق العطن: فبعض الأبناء ضيق العطن، فلا يريد لأحد في المنزل أن يخطئ أبدا، فإذا كسرت زجاجة، أو أفسد أثاث المنزل - غضب لذلك أشد الغضب؛ وقلب المنزل رأسا على عقب.
فهذا مما يزعج الوالدين، ويكدر صفوهما.
كذلك قد تجد بعض الأبناء يأنف من أوامر والديه، خصوصا إذا كان الوالدان أو أحدهما فظا غليظا، فتجد الولد يضيق ذرعا، ولا يتسع صدره لهما.
10 - قلة إعانة الوالدين لأولادهما على البر: فبعض الوالدين لا يعين أولاده على البر، ولا يشجعهم على الإحسان إذا أحسنوا.
فحق الوالدين عظيم، وهو واجب بكل حال.
لكن الأولاد إذا لم يجدوا التشجيع، والدعاء، والإعانة من الوالدين - ربما ملوا، وتركوا بر الوالدين، أو قصروا في ذلك.
11 - سوء خلق الزوجة: فقد يبتلى الإنسان بزوجة سيئة الخلق، لا تخاف الله، ولا ترعى الحقوق، فتكون شجى في حلقه، فتجدها تغري الزوج، بأن يتمرد على والديه، أو يخرجهما من المنزل، أو يقطع إحسانه عنهما؛ ليخلو لها الجو بزوجها، وتستأثر به دون غيره.
12 - قلة الإحساس بمصاب الوالدين: فبعض الأبناء لم يجرب الأبوة، وبعض البنات لم تجرب الأمومة، فتجد من هذه حاله لا يأبه بوالديه؛ سواء إذا تأخر بالليل، أو إذا ابتعد عنهما، أو أساء إليهما.
هذه بعض الأسباب التي تؤدي إلى عقوق الوالدين
وهذه الإشارات، والإرشادات تخاطب الابن الزوج، وتخاطب زوجته، وتخاطب والديه وخصوصا أمه.
أولا: دور الابن الزوج: مما يعين الابن الزوج على التوفيق بين والديه وزوجته ما يلي:
أ - مراعاة الوالدين وفهم طبيعتهما: وذلك بألا يقطع البر بعد الزواج، وألا يبدي لزوجته المحبة أمام والديه - خصوصا إذا كان والداه أو أحدهما ذا طبيعة حادة -.
لأنه إذا أظهر ذلك أمامهما أوغر صدورهما، وولد لديهما الغيرة خصوصا الأم.
كما عليه أن يداري والديه، وأن يحرص على إرضائهما، وكسب قلبيهما.
ب - إنصاف الزوجة: وذلك بمعرفة حقها، وبألا يأخذ كل ما يسمع عنها من والديه بالقبول، بل عليه أن يحسن بها الظن، وأن يتثبت مما قال.
ج - اصطناع التوادد: فيوصي زوجته - على سبيل المثال - بأن تهدي لوالديه، أو يشتري بعض الهدايا ويعطيها زوجته؛ كي تقدمها للوالدين - خصوصا الأم - فذلك مما يرقق القلب، ويستل السخائم، ويجلب المودة، ويكذب سوء الظن.
و - التفاهم مع الزوجة: فيقول لها - مثلا - إن والدي جزء لا يتجزأ مني، وإنني مهما تبلد الحس عندي فلن أعقهما، ولن أقبل أي إهانة لهما، وإن حبي لك سيزيد وينمو بصبرك على والدي، ورعايتك لهما.
كذلك يذكرها بأنها ستكون أما في يوم من الأيام، وربما مر بها حالة مشابهة لحالتها مع والديه؛ فماذا يرضيها أن تعامل به ؟
كما يذكرها بأن المشاكسة لن تزيد الأمر إلا شدة وضراوة، وأن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، وهكذا
ثانيا: دور زوجة الابن: أما زوجة الابن فإنها تستطيع أن تقوم بدور كبير في هذا الصدد، ومما يمكنها أن تقوم به أن تؤثر زوجها على نفسها، وأن تكرم قرابته، وأن تزيد في إكرام والديه، وخصوصا أمه؛ فذلك كله إكرام للزوج، وإحسان إليه.
كما أن فيه إيناسا له، وتقوية لرابطة الزوجية، وإطفاءا لنيران الفتنة.
وإذا كان الزوج أعظم حقا على المرأة من والديها، وإذا كان مأمورا - شرعا - بحفظ قرابته، وأهل ود أبيه؛ تقوية للرابطة الاجتماعية في الأمة - فإن الزوجة مأمورة شرعا بأن تحفظ أهل ود زوجها من باب أولى؛ لتقوية الرابطة الزوجية.
ثم إن إكرام الزوجة لوالدي زوجها - وهما في سن والديها - خلق إسلامي أصيل، يدل على نبل النفس، وكرم المحتد.
ولو لم يأتها من ذلك إلا رضا زوجها، أو كسب محبة الأقارب، والسلامة من الشقاق والمنازعات، زيادة على ما سينالها من دعوات مباركات.
كما أن على الزوجة الفاضلة ألا تنسى - منذ البداية - أن هذه المرأة التي تشعر أنها منافسة لها في زوجها - هي أم ذلك الزوج، وأنه لا يستطيع مهما تبلد فيه الإحساس أن يتنكر لها؛ فإنها أمه التي حملته في بطنها تسعة أشهر، وأمدته بالغذاء من لبنها، وأشرقت عليه بعطفها وحنانها، ووقفت نفسها على الاهتمام به حتى صار رجلا سويا.
كما أن هذه المرأة أم لأولادك - أيتها الزوجة - فهي جدتهم، وارتباطهم بها وثيق؛ فلا يحسن بك أن تعامليها كضرة؛ لأنها قد تعاملك كضرة، ولكن عامليها كأم تعاملك كابنة، وقد يصدر من الأم بعض الجفاء، وما على الابنة إلا التحمل، والصبر؛ ابتغاء المثوبة والأجر.