الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،
لا بد للمؤمن من التيقن أن عداوة الشيطان للإنسان عداوة أزلية منذ آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، يقول تعالى في محكم كتابه : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) ( سورة فاطر – الآية 6 ) ، ولا بد للمؤمن العاقل أن يحذر ويعلم أنه مستهدف من قبل الشيطان وأتباعه ، فيحرص على التمسك بهدي رسول الله e للاعتصام من الشيطان ودسائسه ، وتلك بعض الوصايا النبوية القيمة لوقاية الإنسان وحفظه بإذن الله تعالى أوجزها بالآتي :
]1)- لا تسافر إلا مع جماعة أقلها ثلاثة :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الواحد شيطان ، والاثنان شيطانان ، والثلاثة ركب ) ( صحيح الجامع 7144 ) 0
قال المناوي : ( يعني أن الانفراد والذهاب في الأرض على سبيل الوحدة من فعل الشيطان أي شيء يحمله عليه الشيطان وكذا الركبان وهو حث على اجتماع الرفقة في السفر ذكره ابن الأثير ) ( فيض القدير – 6 / 371 ) 0
وبالعموم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخلوة في غير السفر كما ثبت في أحاديث عدة 0
2)- لا تجلس بين الضح والظل :
عن رجل أن الرسول صلى الله عليه وسلم : ( نهى أن يجلس بين الضح والظل ، وقال : مجلس الشيطان ) ( السلسلة الصحيحة - 883 ) 0
قال ابن منظور : ( وفي الحديث : لا يقعدن أحدكم بين الضح والظل فإنه مقعد الشيطان أي نصفه في الشمس ونصفه في الظل - لسان العرب - 2 / 524 ) 0
قال المناوي : ( لأنه ظلم للبدن حيث فاضل بين أبعاضه وهذا من كمال محبة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام للعدل أن أمر به حتى في حق الإنسان مع نفسه قال ابن القيم وفيه تنبيه على منع النوم بينهما فإنه رديء ) ( فيض القدير - 6 / 342 ) 0
قال الدكتور عبدالرزاق الكيلاني : ( لا يستقيم أمر البدن إلا إذا سار على وتيرة واحدة في جميع أعضائه ، إما أن يشرق إحداها ويغرب الآخر ، فشتان بين مشرق ومغرب ، وإما أن يشد أحدها إلى اليمين والآخر إلى الشمال ، فماذا يحدث للبدن عندئذ ؟ في ضوء الشمس عدا الأشعة المرئية أشعة أخرى غير مرئية كثيرة ، منها الأشعة فوق البنفسجية ، التي تحمر الجلد وتبيغه ، ومنها الأشعة تحت الحمراء ، التي تسخن الأعضاء التي تقع عليها وتبعث فيها الدفء والحرارة ، فإذا حدث ذلك في جزء من البدن دون الجزء الآخر ، دونما حاجة إلى ذلك ، تشوش الدوران واضطربت وظائف الأعضاء 0
قد نلجأ إلى تسليط الأشعة تحت الحمراء على أماكن محددة من الجسم بقصد المعالجة ، كتسليطها على مكان مصاب بالرثية البردية : ( الروماتيزم الناشئ عن البرد ) أو على اللقوة البردية ، وقد نسلط الأشعة فوق البنفسجية على بقعة مصابة بالثعلبة أو بداء الصدف ، بقصد المعالجة ، أما بدون حاجة إليها ، فإنها تضر بدلا من أن تنفع ، كمن يتنـاول الدواء بدون إصابته بالداء ، وهكذا الجلوس بين الظل والشمس ، يجعل بعض الجسم تحت تأثير الأشعة المحمرة والملهبة ، وبعضه الآخر بعيدا عنها ، فيحدث ما لا تحمد عقباه ، درهم وقاية خير من قنطار علاج ) ( الحقائق الطبية في الإسلام – ص 160 ) 0
3)- اتق فتنة النساء :
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان ) ( صحيح الجامع 6690 ) 0
قال المناوي : ( المرأة عورة أي موصوفة بهذه الصفة ومن هذه صفته فحقه أن يستر والمعنى أنه يستقبح تبرزها وظهورها للرجل والعورة سوءة الإنسان وكل ما يستحى منه ؟ كني بها عن وجوب الاستتار في حقها قال ابن الكمال فلا حاجة إلى أن يقال هو خبر بمعنى الأمر في الصحاح والعورة كل خلل يتخوف منه وقال القاضي العورة كل ما يستحى من إظهاره وأصلها من العار وهو المذمة فإذا خرجت من خدرها استشرفها الشيطان يعني رفع البصر إليها ليغويها أو يغوي بها فيوقع إحداهما أو كلاهما في الفتنة أو المراد شيطان الإنس سماه به على التشبيه بمعنى أن أهل الفسق إذا رأوها بارزة طمحوا بأبصارهم نحوها والاستشراف فعلهم لكن أسند إلى الشيطان لما أشرب في قلوبهم من الفجور ففعلوا ما فعلوا بإغوائه وتسويله وكونه الباعث عليه ذكره القاضي وقال الطيبي هذا كله خارج عن المقصود والمعنى المتبادر أنها ما دامت في خدرها لم يطمع الشيطان فيها وفي إغواء الناس فإذا خرجت طمع وأطمع لأنها حبائله وأعظم فخوخه وأصل الاستشراف وضع الكف فوق الحاجب ورفع الرأس للنظر ) ( فيض القدير – 6 / 266 ) 0
4)- إن كنت راكبا فاخلو بسيرك بالله وذكره :
عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من راكب يخلو في مسيره بالله وذكره ، إلا كان ردفه ملك ، ولا يخلو بشعر ونحوه ، إلا كان ردفه شيطان ) ( صحيح الجامع 5706 ) 0
قال ابن منظور : ( الردف : ما تبع الشيء 0 وكل شيء تبع شيئا ، فهو ردفه ، وإذا تتابع شيء خلف شيء فهو الترادف ، والجمع الردافى - لسان العرب - 9 / 114 ) 0
قال المناوي : ( ما من راكب يخلو في مسيره بالله وذكره إلا ردفه ملك أي ركب معه خلفه ولا يخلو بشعر ونحوه كحكايات مضحكة وبحث في علوم غير شرعية وغيبة ونميمة إلا كان ردفه شيطان لأن القلب الخالي من ذكر الله محل استقرار الشيطان 0 وجاء في بعض الأخبار أن قرآن الشيطان الشعر ومؤذنه المزمار والكلام في الشعر المذموم ) ( فيض القدير - 5 / 480 ) 0
5)- احرص على صلاة الجماعة :
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من ثلاثة في قرية ، ولا بدو ، لا تقام فيهم الصلاة ، إلا استحوذ عليهم الشيطان ، فعليكم بالجماعة ، فإنما يأكل الذئب القاصية ) ( صحيح الجامع 5701 ) 0
قال ابن منظور : ( واستحوذ عليه الشيطان واستحاذ أي غلب على قلوبهم ، واستولى عليهم وحواهم - لسان العرب - 3 / 487 ) 0
قال المناوي : ( ما من ثلاثة في قرية ولا بلد لا تقام فيهم الجماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان أي استولى عليهم وجرهم إليه فعليكم بالجماعة أي الزموها فإنما يأكل الذئب الشاة القاصية أي المنفردة عن القطيع فإن الشيطان مسلط على مفارق الجماعة 0 قال الطيبي : هذا من الخطاب العام الذي لا يختص بسامع دون آخر تفخيما للأمر ، شبه
من فارق الجماعة التي يد الله عليهم ثم هلاكه في أودية الضلال المؤدية إلى النار بسبب تسويل الشيطان بشلة منفردة عن القطيع بعيدة عن نظر الراعي ثم تسلط الذئب عليها وجعلها فريسة له ) ( فيض القدير – 5 / 476 ) 0
6)- احذر من الكلب الأسود البهيم فإنه شيطان :
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الكلب الأسود البهيم - الكلب الأسود البهيم : هو الذي لا يكون فيه شيء من البياض - شيطان ) ( صحيح الجامع 4611 ) 0
قال المناوي : ( الكلب الأسود البهيم أي الذي لاشية فيه كله أسود خالص شيطان سمي شيطانا لكونه أعقر الكلاب وأخبثها وأقلها نفعا وأكثرها نعاسا ومن ثم قال أحمد لا يحل الصيد به ولا يؤكل مصيده لأنه شيطان وقال الثلاثة لا فرق بين الأسود وغيره وليس المراد بالحديث إخراجه من جنس الكلاب لأنه إذا ولغ في الإناء يغسل كغيره ) ( فيض القدير - 5 / 64 ) 0
قال الشبلي : ( فإن الكلب الأسود شيطان الكلاب والجن تتصور بصورته كثيرا وكذلك بصورة القط الأسود لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره وفيه قوة الحرارة 0 وقال القاضي أبو يعلى : فإن قيل : ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في الكلب الأسود : أنه شيطان ومعلوم أنه مولود من كلب ، وكذلك قوله في الإبل : إنها جن وهي مولودة من الإبل ؟ وأجاب إنما قال ذلك على طريق التشبيه لها بالجن لأن الكلب الأسود أشر الكلاب وأقلها نفعاً ، والإبل تشبه الجن في صعوبتها وصولتها ، وهذا كما يقال : فلان شيطان إذا كان صعباً شريراً والله تعالى أعلم ) ( أحكام الجان – الباب السابع – في بيان أن بعض الكلاب من الجن - ص 39 – 40 ) 0
7)- إذا تثاءبت فضع يدك على فيك :
عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه ، فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب ) ( صحيح الجامع 426 ) 0
قال المناوي : ( إذا تثاءب بهمزة بعد الألف قال القاضي وبالواو غلط : أي فتح فاه للتنفس لدفع البخار المخنق في عضلات الفك الناشئ عن نحو امتلاء أحدكم فليضع ندبا حال التثاؤب يده أي ظهر كف يسراه كما ذكره جمع ويتجه أنه للأكمل وأن أصل السنة يحصل بوضع اليمين 0 قيل لكنه يجعل بطنها على فيه عكس اليسرى على فيه سترا على فعله المذموم الجالب للكسل والنوم الذي هو من حبائل الشيطان 0 وفي معنى وضع اليد وضع نحو ثوب مما يرد التثاؤب فإن لم يندفع إلا باليد تعينت والأمر عام لكنه للمصلي آكد ، فالتقيد به في بعض روايات الصحيحين لذلك لا لإخراج غيره ، ولذا كره المصلي وضع يده على فيه إذا لم تكن حاجة كالتثاؤب ونحوه ، ثم علل النهي بقوله : فإن الشيطان يدخل جوفه إذا فتح فاه والمراد بالشيطان إبليس أو واحد يسمى خنزب كمنبر موكل بذلك أو الجنس مع التثاؤب يعني يتمكن منه في تلك الحالة ويغلب عليه أو يدخله حقيقة ليثقل عليه صلاته ليخرج منها أو يترك الشروع في غيرها بعدها ، وخص هذه الحالة لأن الفم إذا انفتح لشيء مكروه شرعا صار طريقا للشيطان والأول أقرب فإن الشيطان متمكن من جوف ابن آدم يجري منه مجرى الدم ، وورد أنه واضع خطمه على قلبه فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقمه وذلك الوسواس الخناس فالتارك لما أمر به من رد التثاؤب والإمساك بيده على فمه في حكم الغافل الناسي فيتمكن منه في هذه الحالة ) ( فيض القدير – 1 / 314 ، 315 ) 0
قال النووي – رحمه الله - : ( قال العلماء : أمر بكظم التثاؤب ورده ووضع اليد على الفم لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ، ودخوله فمه ، وضحكه منه 0 والله أعلم ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 16 ، 17 ، 18 / 415 ) 0
- إذا ركبت بعيرا فسم الله :
عن حمزة بن عمرو الأسلمي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( على ظهر كل بعير شيطان ، فإذا ركبتموها فسموا الله ثم لا تقصروا عن حاجاتكم ) ( صحيح الجامع 4031 ) 0
قال المناوي : ( قال في البحر : إن معناه أن الإبل خلقت من الجن وإذا كانت من جنس الجن جاز كونها هي من مراكبها والشيطان من الجن قال تعالى : ( إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ ) ( سورة الكهف – الآية 50 ) فهما من جنس واحد ويجوز كون الخبر بمعنى العز والفخر والكبر والعجب لأنها من أجل أموال العرب ومن كثرت عنده لم يؤمن عليه الإعجاب والعجب سبب الكبر وهو صفة الشيطان فالمعنى على ظهر كل بعير سبب يتولد منه الكبر ) ( فيض القدير - 4 / 322 ) 0
قلت : والواجب على المسلم أن يبدأ بالتسمية حال ركوبه البعير أو السيارة أو الطائرة أو الباخرة ونحوه لتواتر الأدلة على ذلك ، فقد ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله - عز وجل فهو أبتر أو قال أقطع ) ( قال الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله – في تحقيقه للمسند إسناده صحيح ، وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع برقم 4217 ) ، ومع أن الحديث فيه كلام لبعض أهل العلم إلا أن معناه صحيح ، وهناك شواهد أخرى من السنة المطهرة تؤكد ذلك 0
قال علي القرني : ( قال النووي : تستحب التسمية في الأعمال ) ( الصحيح البرهان فيما يطرد الشيطان – ص 17 ) 0
ولا بد أن يعلم المسلم أن المحافظة على التسمية والذكر تجعله دائم الارتباط بخالقه سبحانه وتعالى 0
9)- لا تحدث بما يحصل بينك وبين أهلك :
عن أسماء بنت يزيد - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عسى رجل يحدث بما يكون بينه وبين أهله ، أو عسى امرأة تحدث بما يكون بينها وبين زوجها ، فلا تفعلوا ، فإن مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانه في ظهر الطريق ، فغشيها والناس ينظرون ) ( صحيح الجامع 4008 ) 0
قال المناوي : ( عسى رجل يحدث الناس بما يكون بينه وبين أهله أي حليلته من أمر الجماع ومتعلقاته أو عسى امرأة تحدث بما يكون بينها وبين زوجها كذلك فلا تفعلوا أي يحرم عليكم ذلك وعلله بقوله : فإن مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانه في ظهر الطريق لفظ الظهر مقحم فغشيها أي جامعها والناس ينظرون إليها فهذا مثل هذا في القبح والتحريم والقصد بالحديث التحذير من ذلك وبيان أنه من أمهات المحرمات الدالة على الدناءة وسفاسف الأخلاق ) ( فيض القدير - 4 / 315 ) 0
10)- لا تترك للشيطان فرجة في صلاة الجماعة :
عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( راصوا الصفوف ، فإن الشيطان يقوم في الخلل ) ( صحيح الجامع 3454 ) 0